كورونا … ملحمة من نوع آخر
الراعي البرونزي
إنها حرب عالمية ثالثة ، أو بالأحرى حرب طبيعية ثالثة بين كورونا وجنسنا ، سبق وخضناها من قبل دون اعتبار ، لنتخيل معا حيثيات هذه الحرب الكورونية.
علمياً ؛ كورونا الجديد أو سارس كوف 2 هو فيروس متمرد ثائر من سلالة الفيروسات التاجية ، الفيروسات كائنات غريبة عجيبة غير متصفة بالحياة الكاملة ، تعتبر أقدم الموجودات ذوات الجينوم على وجه الأرض ، بينما جنسنا الجديد أو الإنسان العاقل هو موجود حديث متأخر على هذه الأرض ، من سلالة الرئيسيات العليا أرقى الكائنات الحيوانية على الإطلاق .
أما ملحمياً ؛ ففي البدء كانت كورونا تعيش في عالمها بأمان ، تتخذ من الكائنات الحية معاقل وجودية لها ، تعايشت معها و تشاركت فيها ، لا سيما الخفاش ، الذي اضحى مجمع الأمم الفيروسية ومصنع الطفرات الجينومية ، ذو مناعة عالية لا هي تتسبب بمرضه ولا هو يقلب عليها الميزان ، سلام ما بعده سلام .
فجأة ودون سابق انذار ، اذا بمتطفل حديث على عالم الطبيعة ، يمتلك وعيا وإدراكا ذاتيان ، يضع القوانين بنفسه لنفسه ، يتزعم المخلوقات ويستعبد الكائنات ، يتنكر لنواميس الطبيعة الأصلية وقواعد البيئة التوازنية ، قد ربما نسي ولم نجد له عزما ، فيقتحم عالم الفيروسات ، في الأدغال ووسط الغابات ، يخرج كل حاضن من داره ويقتل كل وسيط بحرابه ، فتشتعل ثورة عظيمة بين معاشر الفيروسات ، وتجتمع الأمم في جلسة طارئة داخل جسم خفاش ، وتقرر ان تلقن هذا الإنسان درسا لن ينساه ، جزاء وفاقا ، انتقاما لكل قانون خرقه و كائن استعبده .
بدأت دورات التدريب تؤسس لنخبة فيروسية تتولى هذه المهمة المقدسة ، طفرات وتحورات ، تستغل تغافل الإنسان وجبروته ، واستمرار احتكاكه مع حيوانات البراري المستضعفة في بيوته ، شنت الحرب الأولى المعروفة بسارس كوف 1 ، فأصابت 8000 وقتلت 774 ، وشنت الحرب الثانية المعروفة بميرس كوف ، فأصابت 2494 وقتلت 858 ، لكن ذلك الإنسان لم يعتبر مما حدث له في الحربين السابقتين ، هنا استنفر مجلس الأمن الكوروني ، وقرر انشاء كتيبة جديدة ، تكون ضربة معلم لهذا الانسان ، نوع بلمسة خاصة مختلفة .
هذا الفيروس الجديد المعروف بسارس كوف 2 يعتمد تكتيك التخفي من أجل الانتشار على أوسع نطاق ، واكب العصر بكل موازينه ، وعرف كيف يستغل كل ما وصل اليه الانسان لصالحه ، استغل امكانيات الطب المتطورة فلم يتحور الى نوع خطير بل إلى نوع يصيب الكثير فأنهار النظام الصحي ، استغل امكانيات الفحص المتقدمة فأطال فترة الحضانة الى أكثر من اسبوعين ، استغل العولمة الحديثة فانتشر عبر المسافرين والوافدين ، استغل الصراع السياسي فانتشر عبر التكتيم والتعتيم ، فحتى هذه اللحظة أصاب أكثر من نصف مليون وقتل أكثر من عشرين ألفا .
ختاما ، لا نعرف ما ستؤول إليه نتيجة هذه الحرب الضروس ، ضد كائن يحمل لواء استعادة الشرعية الطبيعية من الإنقلاب البشري الغاشم ، كائن يقاتل نيابة عن كل مخلوق سقط ضحية نزوة انسانية عابرة .
محمد طارق بن دحمان
الراعي الفضي