مسابقة ليالي الخير 6 | الحلقة 19
المساواة في الإسلام: مبدأ العدالة بين البشر

المساواة من المبادئ الأساسية التي أكد عليها الإسلام، حيث لم يفرق بين البشر بناءً على العرق أو اللون أو النسب، وإنما جعل ميزان التفاضل هو التقوى والعمل الصالح. جاء الإسلام ليهدم التفرقة العنصرية والاجتماعية التي كانت سائدة في المجتمعات القديمة، وليقرر أن جميع الناس متساوون في الحقوق والواجبات.
أرسى الإسلام قاعدة المساواة بين الناس في أصل الخلق، كما جاء في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” (الحجرات: 13). وفي خطبة الوداع، أكد النبي ﷺ على هذا المبدأ بقوله: “لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى”. الإسلام جعل المساواة في الحقوق والواجبات معيارًا أساسيًا للحياة الاجتماعية، فلا تفاضل بين الناس إلا بالعمل الصالح. وقد تجسد هذا المبدأ في مواقف كثيرة، منها قصة أبي ذر الغفاري عندما قال لبلال بن رباح: “يا ابن السوداء”، فغضب النبي ﷺ وقال: “ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى”.
على مر التاريخ، تبنت بعض الشرائع البشرية أنظمة تمييز عنصري واجتماعي، مثل النظام الطبقي في الهند، الذي قسَّم الناس إلى فئات تُحدد حقوقهم وواجباتهم بناءً على النسب والوراثة. كما اعتقد اليونان القدماء أنهم “شعب مختار”، واعتبروا غيرهم “بربرًا” ناقصي الإنسانية. أما الشريعة اليهودية، فقد كرَّست فكرة “شعب الله المختار”، مما أدى إلى تمييز واضح بين اليهود وغيرهم. أما العرب في الجاهلية، فقد كانوا يرون أنفسهم في مرتبة أعلى من غيرهم، حتى إنهم كانوا يرفضون تزويج بناتهم من غير العرب، كما حدث عندما رفض النعمان بن المنذر تزويج ابنته للملك الفارسي كسرى.
الإسلام أقرَّ مبدأ المساواة في مختلف جوانب الحياة، ومنها المساواة أمام القانون، حيث يطبق الحكم نفسه على الجميع، بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية، كما قال النبي ﷺ في قضية المرأة المخزومية التي سرقت: “إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”. كذلك، ضمن الإسلام لغير المسلمين حقوقًا مساوية للمسلمين، فقد قال النبي ﷺ: “من آذى ذميًا فقد آذاني”. كما منح الإسلام المرأة حقوقًا متساوية مع الرجل في المسؤولية والثواب والعقاب، كما قال الله تعالى: “من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” (النحل: 97). وفي الجانب الاقتصادي، وضع الإسلام نظامًا يحقق العدالة الاجتماعية، حيث يحق للجميع التملك والعمل والاستفادة من موارد المجتمع دون تمييز، مع فرض الزكاة والضرائب لتحقيق التوازن الاقتصادي.
رغم أن العديد من الدول الحديثة تدّعي تطبيق المساواة، إلا أن التمييز العنصري والطبقي لا يزال موجودًا، كما نرى في بعض الدول الغربية التي تعاني من مشكلات الميز العنصري، خاصة تجاه الأقليات العرقية. على سبيل المثال، قضية الطالبة الزنجية “أوثرين لوسي” التي مُنعت من الدراسة في جامعة ألاباما بسبب لونها، رغم أن القانون أقرَّ بحقها في التعليم.
المساواة في الإسلام ليست مجرد شعار، بل هي مبدأ متجذر في التعاليم الإسلامية، يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. وبمقارنة الإسلام بالشرائع البشرية، نجد أنه النظام الوحيد الذي يكرّس مبدأ المساواة المطلقة بين البشر، مما يجعله أساسًا صالحًا لبناء مجتمع عادل ومتوازن.