مسابقة ليالي الخير 6 | الحلقة 25

عبدالعزيز المقالح.. رائد الحداثة الشعرية في اليمن والعالم العربي

يُعد الدكتور عبدالعزيز المقالح أحد أعمدة الشعر العربي الحديث، وأحد أبرز الشعراء والنقاد الذين تركوا بصمة لا تُمحى في مسيرة الأدب العربي. تميزت تجربته الشعرية بالانتقال من الكلاسيكية إلى الحداثة، فاستطاع أن يكون جسراً بين التراث والتجديد، مما جعله رائداً في تحديث القصيدة اليمنية والعربية.

وُلد المقالح عام 1937 في محافظة إب اليمنية، وبدأ رحلته الأدبية مبكرًا، إذ كتب الشعر في سن الرابعة عشرة. درس على يد نخبة من العلماء والأدباء في صنعاء، ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة عين شمس بمصر، حيث حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الأدب العربي، ما عزز من ثقافته النقدية والشعرية وجعله واحدًا من أهم الأصوات الأدبية في العالم العربي.

كانت بدايات المقالح الشعرية ذات طابع تقليدي، لكنه سرعان ما تأثر بحركة الحداثة، فكتب قصيدة التفعيلة التي منحها بُعدًا جديدًا متجذرًا في قضايا الإنسان العربي. برز تأثيره بشكل خاص في اليمن، حيث ساهم في نقل القصيدة اليمنية من الشكل التقليدي إلى فضاءات أكثر انفتاحًا على التجريب والتحديث، متأثرًا بأسماء كبرى مثل أدونيس، والبياتي، وصلاح عبدالصبور، وسعدي يوسف. أصدر المقالح أكثر من 23 ديوانًا شعريًا، من أبرزها لا بد من صنعاء، عودة وضاح اليمن، أبجدية الروح، وبالقرب من حدائق طاغور.

لم يكن المقالح مجرد شاعر، بل كان ناقدًا بارعًا، حيث أصدر أكثر من 33 كتابًا نقديًا وفكريًا، تناول فيها قضايا الشعر العربي الحديث، وأزمة القصيدة الجديدة، والأدب اليمني، إضافة إلى دراسات حول التراث العربي. ومن أبرز مؤلفاته النقدية أزمة القصيدة العربية، الشعر بين الرؤيا والتشكيل، وقراءة في أدب اليمن المعاصر.

تولى المقالح رئاسة جامعة صنعاء بين عامي 1982 و2001، وخلال هذه الفترة أصبحت الجامعة مركزًا ثقافيًا استقطب كبار الأدباء والمفكرين العرب. كما ترأس مركز الدراسات والبحوث اليمني، ولعب دورًا بارزًا في إثراء المشهد الثقافي والأكاديمي في اليمن والعالم العربي.

نال المقالح العديد من الجوائز والتكريمات، تقديرًا لدوره في خدمة الأدب العربي، منها جائزة العويس للشعر، جائزة أحمد شوقي للإبداع الشعري، وسام الفارس في الآداب والفنون من فرنسا، وجائزة الشارقة للثقافة العربية – اليونسكو.

ظل المقالح يؤمن بدور الشعر في التعبير عن القضايا الإنسانية الكبرى، ورفض أن يكون الشعر مجرد فن للترف، بل اعتبره رسالة تحمل هموم الإنسان العربي. وفي قصيدته الشهيرة عن اليمن يقول:

“في ضميري يَمَنْ
تحتَ جِلْدي تعيشُ اليمنْ
خلفَ جَفْني تنامُ وتصحُو اليَمَنْ،
صرتُ لا أعرفُ الفرقَ ما بينَنا
أيُّنا يا بلادي يكونُ اليمنْ؟”

في 28 نوفمبر 2022، رحل عبدالعزيز المقالح عن عمر ناهز 85 عامًا، تاركًا إرثًا ثقافيًا هائلًا سيظل حيًا في ذاكرة الأجيال. نعاه اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ووصفه بأنه “أحد أعمدة الشعر العربي الحديث”، كما نعته العديد من المؤسسات الثقافية العربية، مؤكدين أن الشعر العربي فقد أحد أعمدته الراسخة.

لقد كان عبدالعزيز المقالح أكثر من مجرد شاعر، فقد كان مفكرًا وناقدًا ومجددًا، حمل هموم وطنه وأمته في قصائده، وساهم في تطوير حركة الشعر العربي الحديث. سيظل اسمه خالدًا كأحد أعظم الشعراء العرب الذين استطاعوا أن يجعلوا من الكلمة منارةً للأجيال القادمة.

الفائز في الحلقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى