الراعي الماسي للمسابقة الرمضانية ليالي الخير 6

مسابقة ليالي الخير 6 | الحلقة 10

مملكة سبأ.. أول اتحاد فيدرالي في التاريخ

كان اليمن موطناً للعديد من الحضارات العريقة التي سبقت ميلاد المسيح عليه السلام، مما جعله إحدى أكثر مناطق العالم قدسية وتأثيرًا على مدى آلاف السنين. وسط هذه الحضارات، تألقت مملكة سبأ، التي عُرفت ليس فقط بقوتها واتساع نفوذها، ولكن أيضًا بسبب ارتباطها بقصة ملكتها التي زارت النبي سليمان عليه السلام، وهي القصة التي خلدتها الكتب السماوية، مما منح المملكة مكانة استثنائية في التاريخ.

امتدت مملكة سبأ لحوالي 1275 عامًا، من عام 1000 قبل الميلاد حتى عام 275 ميلادية، واستطاعت خلال تلك الفترة أن تصبح واحدة من أقوى الممالك في جنوب الجزيرة العربية. لم تقتصر حدودها على مأرب، بل ضمت إليها ممالك أخرى مثل حضرموت وكتبان ومعين، كما أسست مستعمرات تجارية قرب فلسطين والعراق، مما جعلها واحدة من أكبر الممالك وأكثرها تأثيرًا. لم تكن مجرد مملكة، بل كانت نموذجًا مبكرًا لما يمكن اعتباره أول اتحاد فيدرالي في التاريخ، حيث جمعت تحت رايتها العديد من الممالك والقبائل في نظام إداري قوي ومستقر.

في بداياتها، كان الحكم في سبأ ذا طابع ديني، حيث كان يُنظر إلى الحاكم باعتباره مبعوثًا من الإله، ومع مرور الزمن، تحول الحكم إلى نظام أكثر مدنية، فظهر الملوك البشريون الذين كان يُعتقد أنهم مختارون لرعاية شؤون المملكة. يعود تأسيس سبأ الحقيقية إلى الملك كربئيل وتر، الذي قاد غزوات توسعية جعلت نفوذ المملكة يصل حتى الضفة الأخرى من البحر الأحمر إلى إثيوبيا. كانت سبأ في ذروة مجدها مصدر إلهام للعديد من الحضارات القديمة، ووثّقت كتب اليونانيين والبيزنطيين والعرب عظمة هذه المملكة، التي كانت رمزًا للثراء والازدهار حتى سُميت اليمن بسببها بـ”اليمن السعيد”.

لم يكن السبئيون مجرد محاربين أو تجار، بل كانوا أيضًا شعبًا متدينًا، تغيرت عقائده عبر القرون. في البداية عبدوا الشمس والقمر وكوكب الزهرة، ثم تحولوا إلى عبادة الأصنام، ولكل قبيلة صنمها الخاص. ومع بداية القرن الأول قبل الميلاد، بدأوا في التحول نحو التوحيد، فتركوا الوثنية وعبدوا إلهًا واحدًا أطلقوا عليه “رحمن”، ليكونوا بذلك من أوائل الممالك التي عرفت فكرة التوحيد. حكم المملكة 27 ملكًا على مدار تاريخها، بعضهم كهنة حكموا تحت سلطة الدين، والبعض الآخر ملوك سياسيون، ومن بينهم أسماء لامعة مثل يثعمر وذمر علي وكرب أيل وتر.

لم تكن القوة العسكرية وحدها سر تفوق سبأ، بل كان اقتصادها المحرك الأساسي لازدهارها. فقد تحكمت في طرق التجارة العالمية، وأقامت مستعمرات تجارية لتعزيز نفوذها الاقتصادي. تميزت الزراعة في المملكة بتطورها الكبير، حيث ابتكر السبئيون تقنية نحت الجبال على شكل مدرجات زراعية، مما سمح لهم بزراعة المرتفعات وإيصال المياه إلى الأراضي المنخفضة بطريقة ذكية، وهي تقنيات لا تزال مستخدمة حتى اليوم.

لكن ومع هذا الازدهار، لم تسلم سبأ من الاضطرابات التي قادت إلى سقوطها. في عام 115 قبل الميلاد.
ورغم زوال المملكة، بقي إرثها خالدًا، فقد كانت واحدة من أعظم الحضارات العربية القديمة التي أثرت في العالم، وربطت بين الشرق والغرب، ووضعت بصمتها في مجالات التجارة والزراعة والهندسة والفنون. حتى اليوم، لا تزال معابدها وآثارها صامدة، شاهدة على حضارة ازدهرت في قلب الجزيرة العربية، وخلدت اسمها في صفحات التاريخ.

الفائز في الحلقة العاشرة

الراعي الحصري لبرنامج نسمات رمضانية
الراعي الذهبي للمسابقة الرمضانية ليالي الخير 6

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

الراعي الماسي للمسابقة الرمضانية ليالي الخير 6
زر الذهاب إلى الأعلى