مسابقة ليالي الخير 6 | الحلقة 12

في عمق التاريخ العربي، تبرز حضرموت كمملكة حملت عبق العطر وسحر الحضارة، تاركة بصمتها في صفحات الزمن. ارتبط اسمها بروايات متعددة، أشهرها نسبتها إلى عامر بن قحطان، الذي لقب بـ”حضرموت” لكثرة قتاله، بينما يربطها آخرون بشجر اللبان ذي الرائحة القوية، في حين تشير بعض الأساطير إلى علاقتها بإله الموت في الحضارات القديمة.

امتدت حضرموت في شرق اليمن، لتصل شمالًا إلى صحراء الربع الخالي وجنوبًا إلى بحر العرب، ما منحها موقعًا استراتيجيًا جعلها مركزًا للتجارة والثقافة. تميزت بوفرة الأودية، أبرزها وادي حضرموت، الذي شهد حياة مزدهرة منذ العصور القديمة. نشأت المملكة في زمن غير محدد بدقة، لكن المؤرخين يرجحون ظهورها بين 450 ق.م و920 ق.م، حيث عاصرت ممالك عربية أخرى مثل معين وسبأ وقتبان وذي ريدان.

كان سكان حضرموت ينتمون إلى قبائل ذات نفوذ وسلطات، مثل قبيلة “شكم” و”يشبم” و”رشم”، التي تعود أصولها إلى “مقنع” أو “يقنصم” كما ورد في النقوش القديمة. كما ارتبطت هذه الأرض بنبي الله هود عليه السلام، الذي أقام فيها مع أصحابه. أنجبت حضرموت نخبة من العلماء والأدباء والشخصيات البارزة، ما عزز مكانتها الثقافية عبر العصور.

ازدهرت حضرموت بفضل إنتاجها وتصديرها لمواد تجارية ثمينة، كان أبرزها اللبان والبخور، اللذان اشتهرت بهما عالميًا، حيث كانا يُستخدمان في الطقوس الدينية والعلاجات الطبية وصناعة العطور. كما برعت في إنتاج المرّ والصمغ والحناء، إلى جانب تصدير الذهب والفضة والأحجار الكريمة. وقد ساهم ميناء قنا في تعزيز دورها التجاري، حيث ربطها بأسواق إفريقيا والهند وفارس، ما جعلها محطة تجارية رئيسية في جنوب الجزيرة العربية.

رغم ازدهارها، لم تكن حضرموت بمنأى عن الصراعات السياسية، فتحولت علاقتها الودية مع سبأ إلى صراع انتهى بضمها إلى مملكة سبأ على يد الملك “شمر يهرعش” في القرن الرابع الميلادي. وبعد ذلك بوقت قصير، تعرضت المنطقة للاحتلال الحبشي، مما أدى إلى أفول نجم هذه المملكة العريقة.

حضرموت لم تكن مجرد مملكة، بل كانت رمزًا لحضارة تجذرت في أعماق التاريخ، تاركة إرثًا من العطر والتجارة والثقافة لا يزال يعبق في ذاكرة الزمن.

الفائز في الحلقة