مسابقة ليالي الخير 6 | الحلقة 22
مملكة معين: درة الحضارات اليمنية القديمة

مملكة معين، إحدى أقدم وأهم الممالك التي ازدهرت في جنوب الجزيرة العربية، كانت نموذجًا لحضارة مزدهرة بالإنجازات الاقتصادية والسياسية. نشأت في الألفية الأولى قبل الميلاد، وجعلت من قرناو (قرنا) عاصمة لها، حيث لا تزال آثارها تحكي قصة مجدها وتأثيرها الواسع. بفضل موقعها الاستراتيجي على طرق التجارة القديمة، لعبت معين دورًا محوريًا في تصدير اللبان والبخور، وهما من السلع الفاخرة التي كانت مطلوبة بشدة في المعابد والقصور بمصر وبلاد الرافدين واليونان.
اعتمدت مملكة معين على اقتصاد قوي قائم على التجارة والزراعة، حيث طورت أنظمة ري متقدمة ساعدتها في استغلال الأراضي الخصبة وزيادة إنتاجها الزراعي، مما عزز من استقرارها الاقتصادي. كما ساهمت قوافلها التجارية في توسيع نفوذها، إذ امتدت تجارتها إلى الشام وحتى مناطق البحر المتوسط، مما جعلها مركزًا تجاريًا مهمًا في ذلك العصر.
تميز نظام الحكم في معين بالاستقرار، إذ كانت تدار من قبل سلالة ملكية مدعومة بـمجلس شيوخ يقدم المشورة في شؤون الدولة. كما انتهجت سياسة تحالفات ذكية مع الممالك المجاورة، مما ساعدها على الحفاظ على استقرارها واستمراريتها لفترات طويلة.
ورغم ازدهارها، واجهت مملكة معين تحديات كبيرة تمثلت في صعود ممالك منافسة مثل سبأ وحمير، بالإضافة إلى تغيرات مناخية أثرت على مواردها المائية. وبحلول القرن الثاني قبل الميلاد، بدأ نفوذها في التراجع تدريجيًا حتى اندمجت تحت سلطة مملكة سبأ، منهية بذلك مرحلة مهمة من تاريخ جنوب الجزيرة العربية.
ورغم زوالها، لا تزال آثار معين شاهدة على حضارتها العريقة، حيث تواصل الاكتشافات الأثرية الكشف عن أسرارها، مما يجعلها واحدة من الممالك التي تركت بصمة لا تُمحى في تاريخ اليمن القديم.