مسابقة ليالي الخير 6 | الحلقة 26

الإمبراطورية الحميرية: عظمة الحضارة وقوة النفوذ

كانت الإمبراطورية الحميرية من أعظم الممالك التي قامت في جنوب الجزيرة العربية، حيث امتد نفوذها لقرون طويلة وحققت إنجازات عظيمة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية. حكم الحميريون اليمن في فترتين، الدولة الحميرية الأولى (115 ق.م – 300 م) والثانية (300 – 525 م)، وتمكنوا خلالها من توحيد القبائل اليمنية وبسط سيطرتهم على أهم طرق التجارة العالمية، مما جعلهم قوة لا يستهان بها في المنطقة.

اعتمدت الدولة الحميرية في نهضتها على سياسة توسعية قوية، حيث وحد ملوكها الممالك اليمنية المتفرقة تحت راية واحدة، وأقاموا تحالفات مع الإمبراطوريات المجاورة، مثل الرومان والفرس. وكان للجيش الحميري دور أساسي في تحقيق هذه السيطرة، حيث نجح في التصدي لمحاولات الغزو الروماني وتأمين طرق التجارة في البحر الأحمر والمحيط الهندي، مما عزز مكانة الدولة الاقتصادية والسياسية. كما قام ملوك حمير بتطوير أنظمة الحكم والإدارة، فاعتمدوا على تنظيم إداري متين مكّنهم من إدارة مناطقهم الواسعة بكفاءة عالية.

ازدهر الاقتصاد الحميري بشكل ملحوظ نتيجة سيطرتهم على التجارة العالمية، خاصة تجارة البخور واللبان والتوابل التي كانت تأتي من الهند وشرق أفريقيا وتمر عبر اليمن إلى الأسواق الكبرى في الشرق الأوسط وأوروبا. استفاد الحميريون من موقع بلادهم الجغرافي، فعملوا على تأمين الطرق البرية والبحرية، مما زاد من ثروتهم وجعلهم من أثرى الشعوب في ذلك العصر. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الزراعة المتطورة في تعزيز الاقتصاد، حيث أنشأ الحميريون أنظمة ري متقدمة وسدود عظيمة، مثل سد مأرب، الذي كان من أعظم المنشآت الهندسية في العالم القديم.

في الجانب العمراني والثقافي، برع الحميريون في بناء المدن والحصون والمعابد، وكان قصر غمدان في صنعاء من أبرز المعالم التي نسبت إليهم، حيث تميز بفخامة بنائه وارتفاعه الشاهق. كما استخدموا الخط المسند في تدوين تاريخهم وإنجازاتهم، واهتموا بتوثيق الأحداث المهمة من خلال النقوش على الصخور والمعابد، مما ساهم في حفظ تاريخهم حتى اليوم. وقد شكلت اللغة الحميرية أداة قوية لتعزيز الوحدة الثقافية بين القبائل التابعة لهم، مما ساعد في تثبيت دعائم الحكم الحميري.

شهدت الدولة الحميرية تحولات دينية مهمة، حيث كانت معتقداتهم الأولى تقوم على عبادة الآلهة العربية الجنوبية مثل “المقه” و”ذات بعدن”، قبل أن يعتنقوا اليهودية في عهد الملك ذو نواس، الذي حاول نشرها بالقوة بين سكان اليمن، مما أدى إلى صراع ديني كبير. كان اضطهاد ذو نواس للمسيحيين في نجران نقطة تحول خطيرة، حيث استغل الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول هذا الحدث لحشد الدعم ضد الحميريين، وأوكل إلى نجاشي الحبشة مهمة القضاء على دولتهم.

كان الغزو الحبشي عام 525 م الضربة القاضية للإمبراطورية الحميرية، حيث تمكن الأحباش من هزيمة جيوش حمير، وانتحر الملك ذو نواس غرقًا في البحر بعد إدراكه للهزيمة. انتهى بذلك عصر الدولة الحميرية، لكنها تركت إرثًا عظيمًا في تاريخ اليمن، فقد كانت من أقوى الدول التي شهدتها الجزيرة العربية، وحققت إنجازات بارزة في مختلف المجالات، مما يجعلها واحدة من أهم الحضارات التي ساهمت في تشكيل تاريخ المنطقة.

الفائز في الحلقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى