مسابقة ليالي الخير 6 | الحلقة 27

الإمام البخاري: عمدة المحدّثين وحارس السنة النبوية

يُعد الإمام محمد بن إسماعيل البخاري واحدًا من أعظم علماء الإسلام في علم الحديث، بل هو عمدة المحدّثين وأبرز من خدم السنة النبوية جمعًا وتوثيقًا وتدوينًا. تميز بموسوعية علمه، ودقته في انتقاء الأحاديث، وصرامته في شروط الرواية، مما جعل كتابه “الجامع الصحيح” أو صحيح البخاري أعظم كتاب في الحديث وأصحّه بعد القرآن الكريم عند أهل السنة والجماعة.

ولد الإمام البخاري في مدينة بخارى (أوزبكستان حاليًا) عام 194هـ (810م). فقد والده وهو صغير، فتولت أمه تربيته وتنشئته على حب العلم. أظهر نبوغًا مبكرًا في حفظ الحديث، وسرعان ما بدأ رحلته العلمية في جمعه وتدوينه. في سن 16 عامًا، سافر إلى مكة للحج، ثم مكث هناك لطلب العلم، وبدأ التنقل بين الأقاليم الإسلامية مثل العراق، الشام، مصر، الحجاز، خراسان، وبلاد ما وراء النهر، حيث التقى بأكثر من 1000 شيخ ودوّن عنهم الحديث.

اتبع البخاري منهجًا دقيقًا وصارمًا في تصنيف الأحاديث، إذ وضع أشد المعايير لقبول الروايات، منها عدالة الراوي وثقته، واتصال السند، والضبط والإتقان، وعدم الشذوذ أو العلة. وقد بلغ من ورعه أنه كان لا يكتب حديثًا في صحيحه إلا بعد أن يتوضأ ويصلي ركعتين، واستغرق في تأليف “صحيح البخاري” 16 عامًا من البحث والتنقيح.

يعد “الجامع الصحيح” أو “صحيح البخاري” أشهر كتب الحديث وأدقها، إذ جمع فيه 7275 حديثًا اختارها من بين 600 ألف حديث، مرتبة على 97 كتابًا (بابًا فقهيًا)، تغطي مختلف مجالات الشريعة. نال الكتاب قبولًا واسعًا بين العلماء، حتى قالوا: “أصحّ كتاب بعد كتاب الله” (ابن الصلاح، النووي، وغيرهم)، وقال إسحاق بن راهويه: “ما تحت أديم السماء كتابٌ أصحّ من صحيح البخاري”.

احتل البخاري مكانة عظيمة بين علماء عصره، فكان مرجعًا للمحدثين وأهل الفقه، ومن أبرز شيوخه الإمام أحمد بن حنبل، علي بن المديني، إسحاق بن راهويه، وغيرهم. أما أبرز تلامذته فهم الإمام مسلم بن الحجاج (صاحب صحيح مسلم)، الترمذي، النسائي، وغيرهم. وكان الإمام علي بن المديني يقول: “لم أرَ تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل”، وقال الإمام مسلم: “دعني أقبّل رجليك، يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله”.

بعد رحلة طويلة في خدمة السنة، توفي الإمام البخاري ليلة عيد الفطر عام 256هـ (869م) في سمرقند. ومن مواقفه المشهورة أنه رفض أن يدرّس أبناء حاكم بخارى وحدهم دون العامة، قائلًا: “أنا لا أذل العلم، ولا أحمله إلى أبواب الناس”.

يظل الإمام البخاري عمدة المحدّثين وأحد أعمدة العلم الإسلامي، وكتابه “صحيح البخاري” مرجعًا رئيسيًا في علم الحديث، يتدارسه العلماء جيلاً بعد جيل، ليبقى منارة مضيئة في حفظ السنة النبوية ونقلها بأدق الطرق وأصحها.

الفائز في الحلقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى